احس حياتي انتهت
صار لي اسبوع الآن وعبارة (احس ان حياتي انتهت) هي كل شيء افكر فيه! وطريقة التفكير هذي ابداً ليست شيء جديد علي. تجي وتروح على شكل موجات. وفي هذا المقال راح ادون شيء من تجربتي معها، ولانها تدوينة ايجابية ياليت تقرأ المقال كامل.
قمت من النوم اليوم، واحس اني تحسنت شوي بعد اسبوع صعب من الصراع مع هذي الفكرة. ومع هذا التحسن الي اشعر فيه قررت اني اكتب هالمقال.
استخدمت خيالي شوي عشان اوصف بعض اللحظات، لذا تحملني اذا كنت تكره الخيال.
الهدف من هذا المقال اني اشارك تجربتي، لعل احد يستفيد منها. خصوصاً اني اتعاطف واحزن كثير اذا تصفحت الانترنت او وسائل التواصل الاجتماعي ولقيت احد كاتب انه يمر بأزمة في حياته وتايه بسببها، من المشاكل الي قرأت عنها:
احس حياتي انتهت بعد تخرجي، احس حياتي انتهت لاني متعب جدا ولا اعرف السبب، حياتي سرقت مني قبل ان تبدأ، اشعر بالعجز وان الحياة صعبة، يائس من حياتي، كرهت حياتي، تعبت مع اهلي، تعبت من زوجي او زوجتي.... الخ. وتطول القائمة.
لذا اعتبرني صديق يفهم معاناتك وكل شيء تمر فيه وكل الافكار اللي تدور في داخل عقلك، لانه مر ويمر في نفس حالتك فعلياً.
عن الاحساس بأن حياتي انتهت
السباحة من الرياضات الي ارتفع الحاجز بيني وبينها من زمان -لما كنت صغير- بعد محاولات كثيرة اني اتعلمها.
ما ادري؟ دائماً كنت اشعر اني ما ابذل المجهود الكافي عشان اسبح مثل الباقين، ثم اضغط على نفسي وابذل مجهود اكبر، ثم افشل!. اخيراً استوعبت ان السباحة تحتاج لشخص قوي ويقدر يبذل مجهود اكبر من اي مجهود اقدر انا ابذله.
من هذيك الايام صرت انا الشخص الي يجلس على حد المسبح ويغط رجلينه بالماء، ويتفرج بحسرة مخفيه على الاشخاص الي عندهم القوة الكافية للسباحة.
صورتي على جال المسبح بدت تختفي تدريجياً حتى اختفت كلياً، كنت احضر بشكل متقطع حتى انقطعت نهائياً.
هل تلومونني؟ اذا كان الشيء الوحيد الي تعلمته في حياتي هو: ان القوة هي الحل لكل شيء واني لازم اكون قوي دائماً وابذل اقصى ماعندي، وان الانسحاب والاستسلام عيب، وان الهزيمةهي نهاية المطاف.
لما كنت صغير: كنت احب اصنع عرايس والعب فيهم مع خواتي، كنت اقص صور لاعبين الكورة والفنانين من الجرايد والمجلات والبسهم ثياب نظيفه، عشان اروح اخطب لهم من عرايس خواتي.
كنت احب اصنع طائرات واشكال مختلفة من الورق.
كنت احب اتابع حكايات ورسوم متحركة بالتلفزيون.
كنت احب العب بالطين والتراب، او ادفن اشياء ثم ارجع بعدين واسوي نفسي متفاجئ فيهم.
كنت احب العب كرة قدم مع عيال الحارة.
كنت احب اشياء كثيرة.
لكن اهلي والناس حولي كان لهم رأي مختلف:
"استرجل، هذي العاب بنات" اخواني كانوا يقولون لي، وتعابير وجوههم كانت مشمئزة.
"ليش تضيع وقتك على هذي الخرابيط" امي كانت تقول لي، وهي حاطه يدها على خده وتهز راسها يمين-يسار، وتناظرني بعين الشفقة.
"خل عنك اللعب واجتهد بدراستك، الحياة قدامك صعبة" ابوي كان يقول لي، وهو رافع اصبع السبابة، وتعابير التهديد واضحة على وجهه.
مع مرور الايام تسلل كلامهم في عقلي، وسيطر علي الشعور بالذنب ودخلت في نزاع عظيم معه، وسرق مني كل هذي الاشياء، الي كنت احبها الى آخر لحظة قبل اوقفها.
بعد سنوات، تغيرت حياتي بالكامل واختلفت شخصيتي كلياً. صرت الشخص القوي الي الكل يتمناه، ونسيت حياتي القديمة.
القوة اثبتت لي انها تقدر تاخذني لبعيد، لأماكن مايقدر الضعف يوصلني لها. تحولت الى مكينة تحقيق انجازات: حصلت على التفوق في جميع مراحل دراستي، وخلال هذيك الفترة فزت في مسابقات ومنافسات متنوعه على مستوى المحافظة، التحقت بالجامعة وسجلت في احد اصعب الاقسام وتخرجت متفوق مع مرتبة الشرف، حصلت على وظيفة مرموقه ومن اول سنه صرت اقود لجان وتم تكليفي كمدير.
اغتريت بالقوة وصرت ناشط متحمس ادافع عنها في كل مكان، وانبذ الضعف والاستسلام والهزيمة وارفض الاعتراف فيهم.
اخيراً نظرات اهلي المشمئزة مني، الغاضبة، المشفقة والقلقة علي تحولت الى نظرات رضا، فخر، اعتزاز وتباهي. ولدهم صار قوي وناجح مثل مايتمنون.
ما كان الامر اني ماصرت امر بلحظات احبط فيها، اتحطم، اتعب، اشعر اني قريب من الاستسلام او انهزم داخلياً. كنت امر فيهم، لكن مع الوقت طورت مهارة في تجاهل هذي المشاعر وصرت محترف في قمعها.
اعتقدت اني بالتجاهل والكبح اتخلص منها او اخفيها بطريقة سحرية. كنت جاهل في علم النفس، ولا كنت اعرف ان هذي المشاعر ماكانت تروح او تختفي، بل كانت تتراكم وتغلي في داخلي، مثل البركان الي ممكن في اي لحظة يثور.
خلال هذيك الفترة ومع كل الصخب الي كان يملأ حياتي والانجازات الي كنت انتزعها بشراسة، كنت اسمع همس يصدر من اعماق عقلي ويقول: "قوتك هي مصدر ضعفك"
اعتقد ان هذي كانت طريقة عقلي عشان يخبرني ان مهما وصلت من القوة، لابد ان يكون عندك نقطة ضعف.
وفعلاً قوتي كانت عزيزه علي ودائماً اكون في حالة خوف من فقدانها. لاني كنت اعتقد اني (لاشيء) بدونها. لكن مع ذلك كنت اتجاهل هذا الهمس في كل مره اسمعه.
في يوم ما، ثار البركان !
فاضت كل المشاعر الى درجة لا يمكن تجاهلها.
كل الطرق الي كنت استخدمها عشان اقمع او اتجاهل هذي المشاعر او اهرب منها ما عادت تفيد.
الاحباط والهزيمة والاستسلام كانوا مفاهيم غامضة عندي بعد سنوات من القمع، كنت اشوفهم اعداء لازم اتخلص منهم بأسرع وقت، من هنا بدأت اطول معركة اخوضها في حياتي مع مشاعري او ان صح التعبير: مع نفسي!
معركة دمرتني بالكامل جسدياً ونفسياً حتى وصلت لمرحلة حسيت فيها اني نكرة، واقع في ورطة مالها مخرج، على ابواب الجنون، فاقد للاحساس بمعنى الحياة، ان رحلتي في الحياة انتهت.
حسيت كأني صرت حيوان محجور في قفص في حديقة الحيوان، يمر الناس من عندي ويطالعوني بتعجب، ثم يمضون في حياتهم وانا عالق في هالقفص، غاضب، مقهور وخايف بشدة ولا ادري متى او كيف اطلع منه.
دخلت في في دوامة من الاكتئاب، القلق، تقلبات المزاج، الصداع المزمن، اضطرابات الجهاز الهضمي، الاجهاد البدني المزمن.
من بعيد اتخيل الموقف كالتالي: انا واقف بوضع الاستعداد -مثل وقفة الملاكمين- واركل الحياة من يمين ومن يسار بكل ثقه واستهتار، ثم فجأة تلتفت علي الحياة وهي غاضبة وترميني بالارض وتدوس علي حتى اتهشم.
انكسرت بشكل مرعب، ما عاد عندي اي رغبة في اي شيء. كيف اعيش اساساً وانا ضعيف ؟ محبط ؟ منهزم ؟ كنت اقضي ساعات وايام في غرفتي منسدح على السرير واضيع الوقت على اليوتيوب.
احد الايام طلع لي فيديو، ضمن المقاطع المقترحة، في اليوتيوب بعنوان:( كيف تصنع طائرة ورقية تطير لمسافات بعيدة ). شدني الفيديو وفتحته، مرت لحظات وانا فاغر مركز بالفيديو وعيوني طايرة من الدهشة.
خلص الفيديو، وانا اتسائل وش الشيء الي حسيت فيه وانا اتابعه ؟! ماعرفت وشو، لكن كنت اعرف اني ابغى اسوي طيارة ورقية مثل الي شفتها بالفيديو.
انطلقت لآخر غرفتي الى الدرج الي جمعت في كل اغراضي القديمة لما كنت صغير، عشان اخذ ورقه من هناك. فتحت الدرج وكان الغبار مكون طبقات على الاغراض الي فيه، شفت مقص قديم، شريط لاصق، ورق مقوى، مشرط، اقلام، كورة، مجلات وجرايد، صور الفنانين واللاعبين لابسين ثيابهم الي كانت جديدة، واغراض كثير كنت استخدمها.
نفخت الغبار وانتشر بالمكان من حولي، ثم بلحظة خيال حسيت ان الغبار تحول الى ذرات مضيئة ورفعت راسي اطالع يمين ويسار ومن خلفي اتأمل فيها وهي تحوم حولي. بعد لحظات بدأت تتسارع حركة الذرات المضيئة وارتفعت فوق وهي تزمجر وتهتز ووضوءها يزيد بشكل تدريجي، وانا جالس اطالع فيها بخوف وترقب. فجأة نزلت بسرعة فائقة مثل الشهب وانفجرت بالدرج، من شدة الضوء الي طلع منها سكرت عيوني وطحت على جنب وحطيت مرافق يديني على وجهي وتقوقعت على نفسي.
بعد ما هدأ الجو، فتحت عيوني على الخفيف، وقمت عدلت جلستي. طالعت في الدرج وشفت اغراضي تلمع ولها بريق كأنها حيه. مديت يدي ورفعتهم ومع كل لمسة احس بنفس الشعور الي يجيني اذا اكلت حلاو جيلي لذيذه مرشوش عليه بودرة سكر.
كان هذا استقبال هواياتي القديمة لي بعد انقطاع، كأنها كانت قاعد تنتظرني
بلهفه كل هذا الوقت في ركن بعيد من عالمي، وواثقه اني في يوم من الايام
برجع.
اخذت مجموعة اوراق وبديت اصنع طيارة ورقية ورى طيارة ورقية ورى طيارة ورقية. فقدت وعيي للحظات ولا وعيت الا على غرفتي مفروشة بالورق.
رجعت تدريجياً لهواياتي القديمة، واضفت هوايات جديدة مثل الرسم، القراءة والكتابة، وصرت اغيب في عالمها ساعات طويلة كل يوم.
هواياتي، الي يعتبرونها طفولية، كانت مثل المرهم على جروحي وانكساراتي، كانت مثل المرسى الي ثبت لما كان كل شيء يتحرك في وسط العاصفة المدمرة، اخيراً -والأهم- كانت معلمي ومرشدي لما اثقلتني الحياة ولا عرفت اتعامل معها.
يوم بعد يوم، بين هواياتي، تزول من جسمي وعقلي قشور المعاناة، الالم، الافكار الخانقة والمعوجة، ومع كل قشر يزول تنتشي روحي وتزدهر اكثر.
خلال الساعات الطويلة الي اقضيها غارق في هواياتي تعرفت على نفسي، وتعلمت اني اعبر عنها واسمع منها كل افكارها الايجابيه او السلبيه.
تعلمت اني ما احتاج الجدية والقوة في كثير من امور حياتي.
تعلمت اني اواجه واتقبل مشاعري وافكاري السلبيه مثل: الاحياط والهزيمة والاستسلام بدون قمع وتجاهل. واني اعوم فيها واتركها تأخذني في رحلتها المرعبة و الجنونية وترجعني لمكاني سليم معافى وان لاشيء مخيف بالنهاية.
اتضح بالاخير اني ماكنت احتاج جهد اكبر حتى اتعلم السباحة، كان كل اللي احتاجه اني اعوم وارخي نفسي واترك الماء يحملني ويتعرف علي واتعرف عليه، حتى اقدر اتحرك في وسطة واتحكم في مساري واشق طريقي للجانب الاخر.
الخلاصة
اذا كنت تمر في ضائقة وازمة الآن (سواء كنت او ماكنت تعرف السبب)، اطمئن واستوعب ان هذا ما يعني ان حياتك انتهت، مهما كان شدة الازمة الي تمر فيها.
لأن المشاكل والازمات جزء من الحياة، وهي امر طبيعي جداً، ولا ابالغ اذا قلت ان وجودها مهم لسببين: الاول/لأنها تعلمك وتقويك في حياتك، الثاني/لانك بدونها ماتقدر تحس باللحظات الجميلة.
الحالة الوحيدة الي تطول وتتمدد فيها هذي المشاكل والازمات وتتحول الى عبء يثقلنا وهم يحزننا وواقع يحطمنا بلا رحمة، هي لما نتجاهلها، نقمعها، نرفض الاعتراف بوجودها ونقاومها بكل ما اوتينا من قوة.
دائماً راح يكون عندك شيء يشكل عليك، تشيل همه ويضيق صدرك منه، وهذا عادي وطبيعي. اما الغير العادي والغير طبيعي هو انك تتشبث باللحظات الجميلة وترفض الاعتراف باللحظات السيئة الي هي ايضاً جزء من الحياة.
لكن بعد ان تسمح لنفسك انك تعيش في همومك ومشاكلك واحباطاتك بدون مقاومتها،
التهرب منها او تجاهلها، بمساعدة هواياتك والاشياء الي تحبها والي تلامس
روحك، راح تقدر من خلالها تسبح وترجع للجانب الاخر، الجانب السعيد، في مدة اقصر ومعاناة اقل.
كان هذ الشعور -الي احس فيه ان حياتي انتهت- يجيني على شكل فترات، وفي كل مره يجي، يجلس معي بالشهور. اما الآن لما يجي، يجلس معي اسبوع او اسبوعين بالكثير.
يتعبني كثير ويقتل تفاؤلي ويعكر مزاجي، لكن بما اني صرت اعرف ان هذا طبع الحياة، واعرف ان هذا شيء عادي ويصير لأي احد غيري، واعرف كيف اسمح لنفسي اعيش هذا الشعور بدون مقاومة او تهرب او تجاهل، صرت احس بالامان والشجاعة والامل، وهذا الي انا وانت نحتاجه عشان نمضي بحياتنا.
اتمنى لكم كل خير.
ياليت تنوروني بتعليقاتكم الجميلة، ما استغني عنها
انا حاسه بشعور حياتي انتهت مالقيت وظيفه للان مش قادرة اطلع او اتجاوز هذي المرحله ...
ردحذفحاولت الجأ وارجع لهوياتي القديمه بس انا فقدت الشغف الطفله الصغيره بداخلي اختفت الجانب الطفولي تلاشى
مابنكر اني تأثرت بكلامك ودمعت عيوني وانا بقرأ المقاله حسيت حد بيوصف شعوري
بتمنى اتجاوز هذي المرحله مثل ما انت عملت
تحياتي واستمر
مرحبا هبه
حذفانا ما تجاوزت الحاله هذي ومازالت تمر علي من وقت لوقت،وهذي هي الحياة عموماً: الازمات تصير. لكن انا الآن اتعامل معها بطريقة مختلفة افضل من طريقتي بالتعامل معها بالسابق.
الله يكتب لك الخير في حياتك ويرزقك الوظيفه الي تسعد ايامك، ويوم من الايام راح ترجعي تتذكري هذي الايام باستغراب وتسألي نفسك: "ليش كنت شايله كل هذا الهم؟"
شكرا جداً على تعليقك الي اسعدني كثير..